المنظمة الفلسطينية الدولية للسلام وحقوق الإنسان.

30 يناير 2025

تقرير ميداني: الاحتلال يخنق الضفة الغربية بمئات الحواجز والبوابات الحديدية ويحولها إلى كانتونات منعزلة

تشكل الحواجز العسكرية أحد أدوات السيطرة التي تستخدمها قوات الاحتلال الإسرائيلي في إطار مشروعها الاستيطاني-الاستعماري المبني على التفتيت الجغرافي والديمغرافي للأرض الفلسطينية المحتلة. وبالتوازي مع عمليات التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، بما فيها القدس، وبناء الطرق الالتفافية وتشييد جدار الضم في عمق الأرض الفلسطينية المحتلة، كثفت قوات الاحتلال، وعلى مدى عقود، إقامة حواجز عسكرية حولت المدن والقرى والمخيمات إلى كانتونات منعزلة يصعب التنقل بينها.

ومنذ بدء حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023، فرضت قوات الاحتلال الإسرائيلي المزيد من القيود على حرية الحركة، من خلال تشييد المزيد من البوابات الحديدية والحواجز العسكرية الثابتة والمتنقلة في مختلف أنحاء الضفة الغربية. ولكن كان من اللافت أيضاً الزيادة الملحوظة في عدد الحواجز العسكرية، بالتزامن مع بدء وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وهو ما يشير إلى أن قوات الاحتلال تستغل حالة وقف إطلاق النار لزيادة انتهاكاتها وجرائمها في الضفة الغربية، سواء على صعيد إقامة الحواجز أو التوسع في اقتحام المدن والمخيمات وشن عمليات عسكرية واسعة فيها، كما يحدث حالياً في شمال الضفة الغربية.

ووفق المعلومات التي توفرت لباحثي المنظمة الفلسطينية الدولية للسلام وحقوق الإنسان، فقد بدأت قوات الاحتلال منذ 19 يناير 2025 بزيادة أعداد الحواجز، ووضعت 17 بوابة حديدية إلكترونية، بالإضافة إلى العديد من نقاط التفتيش على مداخل المدن والقرى وشوارع الضفة، وشددت القيود على حرية الحركة والتنقل بين تلك المدن والقرى، لتعزلها عن بعضها البعض. ويأتي تكثيف الحواجز والبوابات في إطار تكريس سياسة الاحتلال في خنق الضفة الغربية، من أجل تسهيل السيطرة والهيمنة الإسرائيلية عليها بشكل مرئي، وهو ما يشكل جزءاً من محاولة تطبيق مخطط الضم، من خلال التضييق على الفلسطينيين وضرب مقومات البقاء وحرية التنقل.

ويبلغ عدد الحواجز الثابتة والطيارة والبوابات الحديدية والسواتر الترابية والمكعبات الإسمنتية 898 حاجزاً إسرائيلياً في أنحاء الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية المحتلة، وفقاً لإحصائية نشرتها هيئة مقاومة الجدار والاستيطان. وهذه الحواجز والعوائق موزعة على النحو التالي:

  • الخليل: 229 حاجزاً
  • رام الله والبيرة: 156 حاجزاً
  • نابلس: 147 حاجزاً
  • القدس: 82 حاجزاً
  • بيت لحم: 65 حاجزاً
  • قلقيلية: 53 حاجزاً
  • سلفيت: 50 حاجزاً
  • طوباس: 33 حاجزاً
  • أريحا: 32 حاجزاً
  • طولكرم: 27 حاجزاً
  • جنين: 24 حاجزاً

فيما يلي جزء مما تمكن باحثونا من رصده وتوثيقه على صعيد القيود الجديدة على حرية الحركة في الضفة الغربية:

حواجز وبوابات القدس

منذ ساعات صباح يوم الأحد 19 يناير 2025، شددت قوات الاحتلال الإسرائيلي إجراءاتها العسكرية على جميع الحواجز والنقاط العسكرية في مدينة القدس الشرقية المحتلة وفي محيطها، بالتزامن مع إغلاق بعضها بشكل متكرر، بالإضافة إلى إغلاق عدد من البوابات الحديدية المقامة على مداخل البلدات والأحياء في المدينة. أدى ذلك إلى تفاقم الأزمات المرورية، وزيادة معاناة عشرات آلاف المواطنين من سكان المدينة المحتلة، الذين يواجهون صعوبة بالغة في التوجه لأعمالهم ومراكز تعليمهم، ما أدى إلى تقييد حركتهم بشكل كبير.

وفي هذا السياق، شهد حاجز جبع العسكري إغلاقات متكررة منذ ساعات صباح يوم الأحد المذكور وحتى إعداد هذا التقرير، بالتزامن مع تشديد الإجراءات العسكرية على حاجز قلنديا العسكري المجاور له. كما نصبت قوات الاحتلال بوابة حديدية جديدة على الطريق الترابية المحاذية لحاجز جبع، ما أدى إلى تفاقم الأزمات المرورية الموجودة أصلاً، واستمرارها منذ حوالي الساعة 5:00 فجراً وحتى ساعات متأخرة من الليل.

وأفاد المواطن أحمد حسن لباحثة المنظمة حول معاناة تنقله على حاجز جبع، بما يلي:
“أقطن مع عائلتي في حي المطار ببلدة كفر عقب، وأعمل في الداخل المحتل وزوجتي تعمل معلمة في إحدى المدارس ببلدة بيت حنينا التي تبعد بالأساس 10 دقائق عن بلدة كفر عقب، كما يدرس أبنائي في مدارس بجوار عمل والدتهم. نستيقظ جميعاً حوالي الساعة 3:30 فجراً ونخرج من المنزل حوالي الساعة الرابعة فجراً لنتفادى الأزمات المرورية التي يسببها إغلاق حاجز جبع قرابة الساعة 5:00 فجراً. وبسبب الأزمات المرورية نقضي عدة ساعات حتى نعود إلى المنزل وغالباً تفوتنا وجبة الغذاء بشكل دائم. لا نقضي في المنزل إلا ساعات النوم وأيام العطل الرسمية، الأزمات المرورية باتت مثل السجن، أنا مثلي مثل الجميع أشعر بالضغط النفسي الذي ألقى آثاره على حياتي الاجتماعية وحتى الأسرية. أشعر دائماً بالعجز وخصوصاً أمام أبنائي الذين أراهم متعبين يومياً من الاستيقاظ فجراً وخصوصاً في ظل أجواء الشتاء القارس، وضعنا الإنساني صعب للغاية رغم امتلاكنا الهوية الزرقاء الإسرائيلية. لا نستطيع ترك أعمالنا داخل مدينة القدس التي تحيط بها الحواجز بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية. كما لا نستطيع ترك منزلنا الذي نملكه واستئجار منزل في بلدة بيت حنينا للارتفاع الكبير في الإيجارات وندرتها، فقلة البيوت في المدينة في ظل سياسة هدم المنازل وقلة عدد رخص البناء الممنوحة من بلدية الاحتلال، خلقت في المدينة المحتلة أزمة سكن كبيرة دفعت الكثير من الناس للعيش في بلدة كفر عقب رغم الحواجز والأزمات وتردي الخدمات فيها.”

كما شهد حاجز الزعيم ومخيم شعفاط وحزما إجراءات عسكرية مشددة منذ صباح يوم الأحد المذكور، تسببت بأزمات مرورية كبيرة، وأدت إلى تقييد حركة المواطنين بشكل كبير، وأثرت على حياة المواطنين القاطنين في الأحياء القريبة من هذه الحواجز العسكرية.

يذكر أن عدد الحواجز والبوابات الحديدية في مدينة القدس يبلغ 82 حاجزاً وبوابة، وبتاريخ 19 يناير 2025، أضافت قوات الاحتلال بوابة جديدة بالقرب من حاجز جبع العسكري الذي يفصل بلدتي الرام وجبع، ويعد المدخل الرئيس لمحافظتي رام الله والبيرة والقدس.

حواجز وبوابات بيت لحم

منذ ساعات صباح الأحد الموافق 19 يناير 2025، شددت قوات الاحتلال الإسرائيلي إجراءاتها العسكرية على حاجز النشاش العسكري، المقام على أراضي جنوبي المحافظة، وحاجز الكونتينر العسكري، المقام شمالي شرق المحافظة، وشرعت بإغلاق عدد كبير من البوابات الحديدية المقامة على مداخل مدن المحافظة وقراها ما أدى إلى عزلها جزئياً عن بعضها البعض. كما شرعت قوات الاحتلال بإغلاق البوابة الحديدية المقامة على مدخل منطقة عش غراب شرق مدينة بيت ساحور، وحددت موعد إعادة فتحها من الساعة 6 صباحاً حتى الساعة 3:00 مساءً، وأغلقت المدخل الغربي لقرية حوسان، وحددت موعد إعادة فتحه من الساعة 6:00 صباحاً حتى الساعة 10:30 صباحاً. كما أغلقت البوابات الحديدية المقامة على مداخل بلدات بيت فجار، تقوع، جناتة، الخضر، وحوسان، بالإضافة إلى إغلاق البوابتين المقامتين عند مفرق قبر حلوة وعند منطقة عش غراب شرق مدينة بيت ساحور، والبوابة المقامة على مدخل مقبرة بلدة الخضر المعروفة بطريق البناشر، والبوابتين الحديديتين المقامتين عند مدخل الاسكانات وعند طريق السدر شمال بيت جالا.

وأفاد حسن بريجية الباحث في مجال الاستيطان في مدينة بيت لحم لباحثة المنظمة بما يلي:
“نصبت قوات الاحتلال العشرات من البوابات الحديدية منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وأصبح مجموعها الإجمالي 53 بوابة عسكرية في نطاق بيت لحم، وأغلبها مغلق بالكامل، ولا تقوم قوات الاحتلال بالسماح للمواطنين بالمرور عبر معظم هذه البوابات، بالإضافة إلى إغلاق قوات الاحتلال 36 طريقاً بالسواتر الترابية أو المكعبات الأسمنتية. أدى إغلاق الحواجز والبوابات التي أقامها الاحتلال عند مداخل المدن والقرى إلى عزلها جزئياً عن بعضها البعض، وقيد حركة المواطنين، ما انعكس بشكل واضح على الوضع الاقتصادي للمواطنين، حيث ارتفعت نسبة العائلات التي أصبحت تحت خط الفقر في المدينة إلى 36% وكان أحد أسباب الارتفاع الصعوبة التي تواجه تلك العائلات في التنقل، وهذا ما أكدته أيضاً غرفة تجارة وصناعة محافظة بيت لحم.”

حواجز الخليل

منذ 19 يناير 2025، فرضت سلطات الاحتلال إغلاقاً كاملاً على محافظة الخليل، حيث أغلقت البوابات الحديدية المثبتة على الطرق الموصلة إلى المدينة، باستثناء طريق واحدة وأقامت حاجزاً عسكرياً عليها، كما وضعت أكواماً من السواتر الرملية على جزء من تلك البوابات، كما حصل مع كل الطرق الفرعية التي يستخدمها المواطنون، وشددت الإجراءات على السكان في المنطقة المغلقة في مركز المدينة والتنكيل بهم.

يذكر أنه منذ 7 أكتوبر 2023، شرعت سلطات الاحتلال بوضع البوابات الحديدية على جميع المفترقات والطرق الموصلة بين القرى والبلدات في محافظة الخليل، وإغلاق جميع الطرق الترابية والفرعية بأكوام من الأتربة والصخور. وقطعت سلطات الاحتلال تواصل أنحاء المحافظة عن بعضها البعض وفرضت سياسة عقاب كاملة على سكان المحافظة. وبلغ عدد البوابات الحديدية في المحافظة 50 بوابة.

وبذلك فرضت سلطات الاحتلال العقاب الجماعي على السكان، كان أشده إغلاق مدخل مخيم الفوار للاجئين جنوبي المدينة، حيث عزلت نحو 20 ألف مواطن وأجبرتهم على قطع مسافة 2 كم سيراً على الأقدام مع إخضاعهم للتفتيش والتنكيل. كما تخضع الأحياء الشرقية من البلدة القديمة في مدينة الخليل (الراس وحارة جابر) وجزء من الأحياء من المنطقة المصنفة H2 لإغلاق كامل، حيث فرضت سلطات الاحتلال عليهم منعاً للتجوال في الأشهر الأولى من الحرب، وعزلت المنطقة عن باقي المدينة ومنعت غير السكان المقيمين فيها من الدخول أو الخروج إليها ونكلت بالمواطنين من خلال استحداث مراكز احتجاز بالقرب من مستوطنة “كريات أربع”، حيث تعرض الكثير من السكان للاحتجاز والاعتداء بالضرب. ووثقت المنظمة عشرات الشهادات من سكان المخيم والقرى المحيطة بها والمنطقة المغلقة في مدينة الخليل حول سياسة العقاب الجماعي عليهم.

خاتمة

تدين المنظمة الفلسطينية الدولية للسلام وحقوق الإنسان هذه الإجراءات التعسفية التي تمارسها قوات الاحتلال الإسرائيلي، والتي تشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي والإنساني، وتؤكد على ضرورة تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه الانتهاكات وضمان حرية الحركة للفلسطينيين في أراضيهم. كما تطالب المنظمة بتحقيق العدالة ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم التي تهدف إلى خنق الحياة اليومية للشعب الفلسطيني وفرض واقع جديد على الأرض.