القدس

أكبر مدينة في فلسطين التاريخية من حيث المساحة وعدد السكان، وأكثرها أهمية دينيا واقتصاديا. وبينما ينظر إليها الفلسطينيون على أنها عاصمة لدولة فلسطين، يعدها الإسرائيليون عاصمتهم الدينية.

الموقع

تقع مدينة القدس في وسط فلسطين، وتبعد نحو 60 كيلومترا شرق البحر المتوسط وحوالي 35 كيلومترا غرب البحر الميت، و250 كيلومترا شمالا عن البحر الأحمر، وتبعد عن عمّان 88 كيلومترا غربا، وعن بيروت 388 كيلومترا جنوبا وعن دمشق 290 كيلومترا جنوب غرب.

السكان

بحسب التعداد السكاني لعام 2011 فقد بلغ عدد سكان القدس 839 ألف نسمة، ويخوض الفلسطينيون والإسرائيليون حربًا ديمغرافيّة في المدينة، حيث يسعى كل طرف لزيادة عدد السكان المنتمين إلى عرقيته ليضمن هيمنته عليها، وتحاول الحكومة الإسرائيلية زيادة عدد اليهود بطرق عدة، منها إحلالهم محلّ العرب الذين هدّمت منازلهم بحجّة البناء دون تصريح؛ وقدرت الإحصائيات اليهودية عام 2007 أن 64% من سكان المدينة يهود، بينما يصل عدد المسلمين إلى 32% والمسيحيين إلى 2%.؛ وتبيّن في إحصائية أخرى من السنة نفسها أن نسبة السكان من اليهود تتراجع تدريجيا بينما نسبة العرب في ازدياد مطّرد، ويرجع ذلك إلى أن نسبة الولادات عند العرب أعلى، وإلى هجرة بعض اليهود إلى مدن وبلدان أخرى.

التاريخ

يرجع تاريخ مدينة القدس إلى أكثر من خمسة آلاف سنة، وهي بذلك واحدة من أقدم مدن العالم، وتدل الأسماء الكثيرة التي أطلقت عليها على عمق هذا التاريخ، فقد أطلقت عليها الشعوب والأمم التي استوطنتها أسماء مختلفة.

فسماها الكنعانيون الذين هاجروا إليها في الألف الثالثة قبل الميلاد “أورساليم”، وتعني مدينة السلام أو مدينة الإله ساليم. واشتقت من هذه التسمية كلمة “أورشليم” التي تنطق بالعبرية “يروشاليم” ومعناها البيت المقدس، وقد ورد ذكرها في التوراة 680 مرة. ثم عرفت في العصر اليوناني باسم “إيلياء” ومعناه بيت الله.

خضعت المدينة للنفوذ المصري الفرعوني بدءا من القرن 16 قبل الميلاد، ثم للحكم اليهودي الذي دام 73 عاما، فقد استطاع النبي داود السيطرة على المدينة في عام 977 أو 1000 قبل الميلاد وسماها “مدينة داود” وشيد بها قصرا وعدة حصون، ودام حكمه أربعين عاما، ثم خلفه من بعده ولده سليمان الذي حكمها 33 عاما.

وفي عام 586 قبل الميلاد، احتلها الملك البابلي نبوخذ نصر الثاني بعد أن هزم آخر ملوك اليهود صدقيا بن يوشيا ونقل من بقي فيها من اليهود أسرى إلى بابل، بمن فيهم الملك صدقيا نفسه.

استولى الإسكندر الأكبر على فلسطين بما فيها القدس عام 333 قبل الميلاد، وبعد وفاته استمر خلفاؤه المقدونيون والبطالمة في حكم المدينة حتى استولى عليها قائد الجيش الروماني بومبيجي عام 63 قبل الميلاد وضمها إلى الإمبراطورية الرومانية.

في عام 326 للميلاد نقل الإمبراطور الروماني قسطنطين الأول عاصمة الإمبراطورية الرومانية من روما إلى بيزنطة، وأعلن المسيحية ديانة رسمية للدولة، فكانت نقطة تحول بالنسبة للمسيحيين في القدس حيث بنيت كنيسة القيامة.

انقسمت الإمبراطورية الرومانية عام 395 للميلاد إلى قسمين متناحرين، مما شجع الفرس على الإغارة على القدس ونجحوا في احتلالها في الفترة 614-628 للميلاد، ثم استعادها الرومان مرة أخرى وظلت بأيديهم حتى الفتح الإسلامي عام 636 للميلاد.

 في عام 621 للميلاد تقريبا شهدت القدس زيارة رسول الله خاتم الأنبياء والرسل النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، الذي أُسري به ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عُرجَ به إلى السماوات العلى.

وفي عام 15 للهجرة (636 للميلاد) دخلها الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد أن انتصر الجيش الإسلامي بقيادة أبي عبيدة عامر بن الجراح، واشترط البطريرك صفرونيوس أن يتسلم عمر مفاتيح المدينة بنفسه، فجاء عمر وكتب معهم “العهدة العمرية”، وهي وثيقة منحتهم الحرية الدينية مقابل الجزية، وغيَّر اسم المدينة من إيلياء إلى القدس، ونصت الوثيقة ألا يساكنهم أحد من يهود.

واتخذت المدينة منذ ذلك الحين طابعها الإسلامي، واهتم بها الأمويون ومن بعدهم العباسيون، وشهدت نهضة علمية في مختلف الميادين، ومن أهم الآثار الإسلامية في تلك الفترة مسجد قبة الصخرة الذي بناه عبد الملك بن مروان.

وشهدت المدينة بعد ذلك عدم استقرار بسبب الصراعات العسكرية التي نشبت بين العباسيين والفاطميين والقرامطة، ثم خضعت لحكم السلاجقة حتى عام 1071 للميلاد.

وفي ديسمبر/كانون الأول 1917 سقطت القدس بيد الجيش البريطاني بعد البيان الذي أذاعه الجنرال ألنبي، ومنحت عصبة الأمم بريطانيا حق الانتداب على فلسطين، وأصبحت القدس عاصمة فلسطين تحت الانتداب البريطاني (1920- 1948)، ومنذ ذلك الحين دخلت المدينة في عهد جديد كان من أبرز سماته زيادة أعداد المهاجرين اليهود إليها، خاصة بعد وعد بلفور عام 1917.وفي عام 1948 أعلنت بريطانيا إنهاء الانتداب في فلسطين وسحب قواتها، فاستغلت العصابات الصهيونية حالة الفراغ السياسي والعسكري وأعلنت قيام الدولة الإسرائيلية.

وفي 3 ديسمبر/كانون الأول 1948 أعلن ديفد بن غوريون رئيس وزراء إسرائيل أن القدس الغربية عاصمة للدولة الإسرائيلية الوليدة، في حين خضعت القدس الشرقية للسيادة الأردنية حتى هزيمة يونيو/حزيران 1967 التي أسفرت عن ضم القدس بأكملها إلى سلطان الاحتلال الإسرائيلي.

وفي 6 ديسمبر/كانون الأول 2017، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب في خطاب متلفز من البيت الأبيض الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وقال إنه وجه أوامره للبدء بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وأضاف “قررت أن الوقت حان لأن نعلن رسميا الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل”، ووقع بعد ذلك ورقة رسمية.  وأثارت خطوة ترمب موجة من الانتقادات الداخلية والخارجية، ودعت فصائل فلسطينية إلى انتفاضة جديدة ردا على القرار الأميركي.

القضايا الحديثة لمدينة القدس : شكلت مدينة القدس على مرّ العصور المركز الطبيعي الاجتماعي والسياسي والاقتصادي لدولة فلسطين. ولفترات طويلة كانت مدينة القدس المحتلة الممتدة من رام الله شمالا إلى بيت لحم جنوبًا القوة الدافعة للاقتصاد الفلسطينيحيث يتمركز نحو ثلث النشاط الاقتصادي للفلسطينيين في  القدس المحتلة وحولها. وبسبب هذه الاهمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والدينية لمدينة القدس، فلا يمكن إقامة دولة فلسطينية  مستقلة وذات السيادة دون مدينة القدس الشرقية.  

على الرغم من أهمية مدينة القدس للديانات السماوية الثلاث،  واصلت إسرائيل منذ احتلالها للمدينة المقدسة عام 1967 سياساتها الممنهجة التي تهدف إلى بسط سيادتها السياسية والدينية الصهيونية المطلقة على المدينة ؛ ضاربة حقوق السكان الأصليين من مسيحيين ومسلمين عرض الحائط.

عندما أوصت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1947 بتقسيم فلسطين، كان من المفترض أن تخضع القدس ومشارفها (بما في ذلك مدينة بيت لحم جنوبًا) إلى الإدارة الدولية ككيان مستقل. لكن خلال حرب عام 1948 اجتاحت إسرائيل ذلك الكيان المستقل واحتلت 85 بالمائة من مساحة اراضيه.

في حزيران 1967، احتلت إسرائيل الأجزاء المتبقية من القدس فيما اصبحت تُعرف بالقدس الشرقية بما فيها البلدة القديمة. وبعد عدة أسابيع قامت إسرائيل من جانب واحد بتوسيع الحدود البلدية للمدينة مما أدى إلى زيادة مساحة المدينة المقدسة عشرة أضعاف. وضمت الحدود الجديدة للمدينة المناطق غير المستثمرة وغير المأهولة مستثنية التجمعات السكانية. وخلال السبعينيات من القرن الماضي صادرت إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، المناطق غير المستثمرة بطريقة غير قانونية بهدف بناء المستوطنات منتهكة بذلك القانون الدولي.

قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلية عقب توسيع حدود القدس بفرض قوانينها وولايتها القضائية وإدارتها على المناطق التي ضمتها داخل الحدود البلدية للقدس (وبلغت مساحتها 2772 كم² أي ما يعادل 1.3 بالمائة من مساحة الضفة الغربية) في محاولة منها لضم القدس الشرقية وأجزاء أخرى من الضفة الغربية وفرض أمر واقع جديد. وبالطبع كان ضم القدس الشرقية لإسرائيل انتهاكًا فاضحًا للقانون الدولي للحظر المفروض على الإستيلاء على الأراضي بالقوة، وأعلن حينها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة “عدم شرعية” ذلك الضم.

التغيير الديموغرافي : واصلت سلطات الاحتلال الإسرائيلية منذ عام 1967 محاولاتها لترسيخ سيطرتها على القدس عبر اتباع وممارسات أحادية مخالفة لقواعد القانون الدولي، منها:

  • بناء المستوطنات

قامت إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، من جانب واحد بضم مدينة القدس الشرقية، وباشرت على الفور ببناء المستوطنات غير القانونية داخل حدود المدينة الموسعة وبمحاذاتها بشكل غير قانوني. وتشكل هذه المستوطنات في الوقت الحالي حلقة تحيط بالجزء المحتل من المدينة وتعزله عن بقية الضفة الغربية بشكل كامل. و يعيش اليوم ما يزيد عن 220,000 مستوطنًا في القدس الشرقية المحتلة.

  • سحب حقوق الإقامة وحظر لمّ شمل العائلات

صرحّت سلطات الاحتلال الإسرائيلية بوضوح مرارًا وتكرارًا أن الهدف من سياساتها في القدس المحتلة يتمثل في الحفاظ على أغلبية ديموغرافية يهودية في القدس. وقد ورد هذا التصريح رسميًا عام 1973 ضمن تقرير وضعته اللجنة الوزارية لبحث معدلات النمو في القدس. وتمّت التوصية في هذا التقرير أنه ” بوجوب  الحفاظ على التوازن الديموغرافي لليهود والعرب كما كان في نهاية عام 1972″. وفي محاولة منها للحفاظ على ذلك “التوازن الديموغرافي”، حرمت إسرائيل الآلاف من المواطنين الفلسطينيين من حقهم في الإقامة في المدينة التي وُلدوا فيها عن طريق مصادرة هوياتهم وسحب حقوق الإقامة منهم. وتضفي إسرائيل صفة “مقيمين دائمين” على السكان الفلسطينيين الأصليين في مدينة القدس المحتلة ، وهم لا يتمتعون بحقوق متكافئة مع الإسرائيليين في المدينة. على سبيل المثال، تملك إسرائيل السلطة والقوة لتجريد الفلسطينيين من حقهم في الإقامة في القدس وفق تقديراتها فقط، ولذلك على المواطنين الفلسطينيين القاطنين في القدس الشرقية الحفاظ على ما يسمّى “مركز الحياة” في القدس الشرقية وإلا أصبحوا عرضة لخطر فقدان حق الإقامة.  كما ترفض  قوة الاحتلال عادة منح الأزواج الفلسطينيين من غير المقيمين في القدس حق الإقامة وبذلك تمنعهم من السكن في المدينة وتحرمهم من لم شمل العائلة.

 صادرت سلطات الاحتلال الإسرائيلية نحو 14،600 بطاقة هوية من المقدسيين الذي يتمتعون بحق الإقامة الدائمة في القدس بين الأعوام 1967 ويومنا هذا ، مما ألحق ضررًا مباشرًا بأكثر من 20 بالمائة من العائلات الفلسطينية في مدينة القدس المحتلة.

  • مصادرة الأراضي، والقيود على البناء، وهدم المنازل

بالإضافة إلى الحيلولة دون أي امتداد عمراني فلسطيني عن طريق مصادرة الأراضي وتشييد المستوطنات، اعتمدت سلطات الاحتلال الإسرائيلية سلسلة من سياسات التخطيط الهيكلي الرامية إلى منع أبناء شعبنا من البناء على أرضهم أو توسيع المنشآت القائمة. ونتيجة لذلك، تسمح سلطات الاحتلال الإسرائيلية للفلسطينيين في البناء والعيش على 13 بالمائة من مساحة القدس الشرقية المحتلة.  هذا عدا عن أن تراخيص البناء في هذه المنطقة مكلفة جدًا، ويكاد يكون من المستحيل الحصول عليها نظرًا للقيود الإسرائيلية المفروضة والإجراءات العنصرية والسياسيات التمييزية التي تتبعها حكومة الاحتلال في هذا الخصوص مما يعطيها الحجة لهدم منازل الفلسطينيين الذين يضطرون  إلى البناء لمواجهة النمو الطبيعي لعائلاتهم دون الحصول على تراخيص بناء.

 لقد ترتب أيضًا على السياسات العنصرية الإسرائيلية اكتظاظ سكاني كبير في القدس الشرقية، ومن المتوقع أن يزداد الاكتظاظ مع الازدياد الطبيعي للسكان في المدينة. ومنذ العام 1967 حتى الآن ارتفع عدد السكان الفلسطينيين داخل ما يسمى الحدود البلدية لمدينة القدس كما حددتها إسرائيل من 68،600 إلى 361،000 نسمة – وهي زيادة قدرها 190 بالمائة.

 وتشير التقديرات أيضًا أنه منذ عام 1967 هدمت إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، أكثر من 3,700 منزلا فلسطينيًا ومنشآت أخرى في القدس الشرقية بما في ذلك بعض المواقع التاريخية والدينية مثل حارة المغاربة في البلدة القديمة.

إن سلطات الاحتلال تواصل تنفيذ سياسة هدم منازل المقدسيين لتفريغ الوجود الفلسطيني في المدينة والقضاء على الهوية الفلسطينية، واكبر دلالة على ذلك إصدار مئات أوامر هدم المنازل القائمة ومخالفات البناء لأكثر من 25,000 وحدة سكنية أي حوالي ثلث الوحدات السكنية القائمة في القدس المحتلة. وقد تسببت أعمال الهدم التي تنفذها قوات الاحتلال في تشريد الآلاف من المواطنين المقدسيين وتركهم بلا مأوى، كما أن إخلائهم القسري من مدينتهم بحد ذاته مخالفة للقانون الدولي وانتهاك لقواعده.

  • فرض الإغلاق على المدينة

حظرت إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، منذ عام 1993 دخول الفلسطينيين من غير المقدسيين إلى المدينة إلا بموجب تصاريح إسرائيلية، والتي نادرًا ما تمنحها سلطات الاحتلال الإسرائيلية. يتمثل أحد الآثار المباشرة التي تخلفها سياسة الإغلاق التي تفرضها إسرائيل على القدس المحتلة في منع أربع ملايين مواطن مسيحي ومسلم من أبناء الشعب الفلسطيني من الوصول إلى أماكنهم المقدسة وكنائسهم ومساجدهم الواقعة في هذه المدينة ، وغالبًا ما يتم حرمانهم من تلقي الخدمات الطبية التي لا تتوفر سوى في مدينة القدس.

  • بناء جدار الضم والتوسع

يقسم جدار الضم والتوسع داخل مدينة القدس المحتلة وحولها الضفة الغربية إلى منطقتين، ويعزل القدس المحتلة عن بقية أرجاء الضفة الغربية. فمن ناحية، يحد الجدار من المساحة المتوفرة التي يحتاجها الفلسطينيون للنمو، ويسهّل من بناء المستوطنات وتوسيعها من ناحية أخرى. علاوة على ذلك، يقطع الجدار شبكة النقل الوطني الذي يربط الضفة الغربية بالقدس وببعضها البعض، مما أدى إلى تدفق الفلسطينيين المقدسيين إلى مركز المدينة.

يتمثل أحد الآثار المباشرة لجدار الضم والتوسع في عزل حوالي 140,000 فلسطيني (مخيم شعفاط، ضاحية السلام، راس خميس، ضاحية السلام، كفر عقب، سميراميس) من سكان القدس عن مدينتهم لأن المناطق السكنية التي يقيمون فيها باتت تقع خارج الجدار. كما سبب الجدار ونظام الإغلاق في فرض قيود مجحفة وعسيرة على الأنشطة التجارية في القدس المحتلة – التي تشكل مركز الثقل الاقتصادي في فلسطين – وفي المناطق المحيطة بها وعلى حركة التجار منها وإليها. وأخيرًا، عمل جدار الضم والتوسع على تفكيك الترابط الاجتماعي وتقويض نسيج الحياة الاجتماعية للفلسطينيين الذين يقطنون على جانبي الجدار.

القدس في القانون الدولي : وُضعت فلسطين في عام 1922 تحت انتداب عصبة الأمم حيث كانت بريطانيا هي سلطة الانتداب. كانت القدس خلال فترة الانتداب جزءاً لا يتجزأ من أراضي فلسطين ومقر إدارتها. أعطى الانتداب مفعولاً لوعد بلفور عام 1917 بتأييد إقامةوطن قوميلليهود في فلسطين. لم يتضمّن الانتداب أية بنود محددة تتعلّق بالقدس مع أن المادة 13 والمادة 14 من قانون الانتداب لم تتضمّن بنود حول الأماكن المقدّسة. وفقاً للمادة 13، تسلمت بريطانيا المسؤولية الكاملة عن الأماكن المقدّسة، بما في ذلك الحفاظ علىالحقوق الحالية،ضمان حرية العبور،والممارسة الحرّة للشعائر الدينية، باستثناء ما هو متعلّق بإدارة الأماكن الإسلامية المقدّسة التي ضَمن الانتداب حصانتها. تنص المادة 14 من قانون الانتداب على تشكيل لجنة خاصّةلدراسة، تعريف، وتقرير الحقوق والمطالبات المتعلقة بالأماكن المقدّسة والحقوق والمطالبات المتعلقة بالجاليات الدينية المختلفة في فلسطين“. في ضوء الصعوبات المتّصلة بإقامة تمثيل لكل الجاليات الدينية، لم يتم تشكيل اللجنة أبداً وبقيت المسؤولية عن الأماكن المقدّسة بيد سلطة الانتداب التي واصلت حالة الوضع الراهن التي كانت سائدة أثناء الحكم العثماني وحكمت العلاقات بين الجاليات المختلفة.

تسبّب تصاعد الهجرة اليهودية إلى فلسطين بتوترات متزايدة بين الجاليتين وأصبحت القدس بؤرة للصراع (اندلعت في عام 1929 أعمال عنف خطيرة حول حرية الوصول إلى حائط البراق) حيث استمر الوضع الأمني في التدهور بعد ذلك. على إثر ثورة فلسطين في عام 1936 التي بدأت احتجاجاً على تزايد الهجرة اليهودية، قامت بريطانيا بتشكيل اللجنة الملكية الفلسطينية. استنتجت اللجنة بأن الانتداب قد فشل وأوصت بإنهائه. كما اقترحت تقسيم فلسطين إلى دولة عربية ودولة يهودية. اعتبرت اللجنة الأماكن المقدّسةأمانة مقدّسة لدى المدينة، واقترحت إقامة مقاطعة القدس – بيت لحم لتضم كافة الأماكن المقدّسة، مع ممر إلى البحر ينتهي عند يافا وأن يبقى تحت الوصاية البريطانية في ظل انتداب جديد لعصبة الأمم. الخطة الأولى هذه أبطلتها الأحداث السياسية والعسكرية. وبعد الحرب العالمية الثانية، أعلنت المملكة المتحدة أنها غير قادرة على حل المشكلة في فلسطين وأحالت القضية إلى الأمم المتحدة.

عندما وُضعت المسألة أمام الأمم المتحدة في عام 1947، عيّنت الجمعية العامة لجنة خاصّة حول فلسطين. أوصت اللجنة بالإجماع بالحفاظ على قدسية الأماكن المقدّسة وضمان حرية الوصول إليهاوفقاً للحقوق الموجودة“. قدّمت اللجنة خطتين بديلتين لفلسطين. وَضعت خطة الأقلية تصوراً لإقامة دولة فيدرالية موحّدة في فلسطين تكون القدس عاصمتها وبلديتين منفصلتين للقسمين اليهودي والعربي. كما أوصت بوضع نظام دولي دائم للحماية والإشراف على الأماكن المقدّسة في القدس وفي أماكن أخرى. أوصت خطة الأغلبية بتقسيم فلسطين إلى دولة عربية ودولة يهودية، والتدويل الإقليمي لمنطقة القدس كمقاطعة أو كجيب في الدولة العربية. الخطة الأخيرة هي التي أقرّتها الجمعية العامة في القرار رقم 181 الذي أنهى الانسحاب واقترح إقامة دولة عربية ودولة يهودية على أراضي فلسطين ورسَم حدود الدولتين.

لم تتم إضافة القدس إلى حدود أي من الدولتين. بدلاً من ذلك، تم اقتراح نظام خاص للقدس. نص القرار على ما يلي:

سيتم تأسيس وضع مدينة القدس لتكون corpus separatum” وفقاً لنظام دولي خاص تُديره الأمم المتحدة. سيتم تعيين مجلس وصاية للقيام بمسؤوليات السلطة الإدارية بالنيابة عن الأمم المتحدة“.

تم تعريف حدود المدينة على أنها تتضمّنالبلدية الحالية للقدس والقرى والبلدات المحيطة بها حيث ستكون أبو ديس في أقصى الشرق، وبيت لحم في أقصى الجنوب، وعين كارم (بما في ذلك منطقة موتسا المبنية) في أقصى الغرب، وشعفاط في أقصى الشمال“. طلبت الجمعية العامة من المجلس تطوير قانون للمدينة ينص على تعيين حاكم وطاقم عمل إداري، هيئة تشريعية، مجلس قضاء مستقل، قانون جنسية ونظام يحكم الأماكن المقدّسة والأبنية والمواقع الدينية.

لم يتم أبداً تطبيق خطة التقسيم والنظام الدولي الخاص بالقدس. وبعد شيء من التردّد الأوّلي، أعلن الصهاينة عن رغبتهم في قبول خطة التقسيم. رفضت الجامعة العربية التقسيم لأن الأمم المتحدة، وخصوصاً أن قرار الجمعية العامة غير ملزم، ليس لها الحق في تخصيص 55% من فلسطين للدولة اليهودية حيث أن اليهود ومعظمهم مهاجرون جدد كانوا يمثّلون فقط ثلث السكّان ويمتلكون أقل من 7% من الأرض.

اندلعت أعمال العنف في عام 1948-1949 واحتلت إسرائيل القدس الغربية واحتل الأردن القدس الشرقية. أضفى اتفاق الهدنة العام بين إسرائيل والأردن بتاريخ 3 نيسان 1949 الصفة الرسمية على التقسيم الواقعي للمدينة.

على الرغم من أعمال العنف، لم تتخل الأمم المتحدة عن هدف تدويل منطقة القدس. في نيسان 1948، أعدّ مجلس الوصاية مسودة قانون للكيان الدولي المنفصل المخطط له. شكّلت الجمعية العامة وفقاً للقرار 194 لجنة المصالحة التي تألفت من ثلاثة أعضاء. قرّرت اللجنة أنمنطقة القدس، بما في ذلك البلدية الحالية للقدس والقرى والبلدات المحيطةيجب أن تُمنح معاملة خاصّة ومنفصلة عن بقية فلسطين وأن توضع تحت سيطرة فعّالة للأمم المتحدة“. طلبت الجمعية العامّة من اللجنة وضع مقترحات مفصّلة لنظام دولي دائم لمنطقة القدس وتوصيات حول الأماكن المقدّسة. وفي تقاريرها الدورية إلى الجمعية العامة، أوردت اللجنة أن الوفود العربية كانت عموماً مستعدة للقبول بمبدأ تطبيق نظام دولي على القدس، شريطة وجود ضمانات من الأمم المتحدة بشأن استقراره وديمومته. لم تقبل إسرائيل بذلك، مع أنها قبلت بتطبيق النظام الدولي أو السيطرة الدولية على الأماكن المقدّسة. ومع ذلك وفي نيسان 1950، تبنّى المجلس قانوناً مفصّلاً لمدينة القدس يرتكز على البنود الواردة في القرار 181. ولم يُبد أي من الطرفين الاستعداد لقبول القانون المقترح. بعد بذل جهد آخر للوساطة بين الأطراف في عام 1951، استنتجت اللجنة أن عدم رغبة الطرفين بتطبيق القرارات ذات الصلة والتغيّرات التي حصلت على الأرض جعلت من المستحيل مواصلة الطريق للتوصل إلى حل. مع ذلك، يبقى الاقتراحموضوعاً على الطاولةبمعنى أن الاقتراح أو ما يشبهه يبقى خياراً للمفاوضات حول مستقبل وضع المدينة.

في ذات الوقت، اتخذت إسرائيل عدة إجراءات لدمج القدس الغربية بإسرائيل. في أيلول 1948، تأسّست المحكمة العليا في القدس، وفي شباط 1949 اجتمع أعضاء الكنيست في المدينة. تبع ذلك تأسيس عدد من الوزارات ومرافق للخدمات العامة في المدينة. أعلنت إسرائيل في عام 1950 أن القدس هي عاصمتها. احتلت إسرائيل القدس الشرقية في حرب حزيران 1967 حيث تبنّت عدداً من الاقتراحات لتوحيد قسمي المدينة، بما في ذلك سن قانون في عام 1967 لتطبيق القانون المدني الإسرائيلي على القدس الشرقية1. أصدرت إسرائيل في عام 1980 “القانون الأساسيالذي لم يُعلن رسمياً ضم القدس الشرقية، لكنه ضمّها عملياً بإعلان المدينة الموحّدة عاصمة لإسرائيل ومقر مؤسسات الدولة الرئيسية. شجب مجلس الأمن والجمعية العامة بشدة هذا الإجراء. كما أبدى مجلس الأمن الاستياء الشديد في القرار 478 من سن التشريع الإسرائيلي وأكّد أنهيشكّل انتهاكاً للقانون الدولي ولا يؤثّر على التطبيق المستمر لاتفاقية جنيف ذات الصلة بحماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب بتاريخ 12 آب 1949 في الأراضي العربية والفلسطينية الأخرى المحتلة منذ عام 1967 بما فيها القدس“. قرّر المجلسعدم الاعترافبالقانون الأساسيوالأعمال الأخرى المماثلة التي تقوم بها إسرائيل وتسعى نتيجة لهذا القرار إلى تغيير صفة ووضع القدس، ودعا كافة الدول الأعضاء إلى قبول قرارها، كما دعا الدول الأعضاء التي أقامت بعثات دبلوماسية في القدس إلى سحبها منها. ويُواصل هذا القرار، الذي أعاد التأكيد لاحقاً بصياغة مماثلة، تجسيد موقف الأمم المتحدة ومعظم الحكومات بشأن وضع القدس.

 لا يمكن فصل مسألة الوضع القانوني للقدس عن وضع فلسطين ككل. قبل الانتداب، كانت السيادة على فلسطين بما فيها القدس بأيدي العثمانيين. لم يُحوّل الانتداب السيادة إلى سلطة الانتداب، ولم يتم تحويلها إلى عصبة الأمم.

كانت السيادة فعلياً معلّقة أثناء فترة الانتداب. استمر هذا الوضع حتى إقامة دولة إسرائيل واعتراف المجتمع الدولي بها كدولة ودخولها الأمم المتحدة في عام 1949. مع أن الاعتراف بإسرائيل تضمّن الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على بعض الأراضي في أرض الانتداب السابقة لفلسطين، وبما أن امتلاك الأراضي هو أحد المعايير لوجود دولة، إلاّ أنه لم يتضمّن اعترافاً بالسيادة الإسرائيلية على كل الأراضي التي استولت عليها إسرائيل. كما لم يتضمّن الاعتراف بإسرائيل بشكل خاص اعترافاً بخطوط الهدنة لعام 1949 أو بالسيادة على القدس الغربية.

حقيقة أن السيادة معلّقة على ما تبقّى من أراضي الانتداب السابقة لفلسطين لا يعني بالطبع أنه لا يوجد أحد يستحق تلك السيادة. بما أن الاستقلال المؤقت لفلسطين اعتُرِف به في انتداب عصبة الأمم إضافة إلى الاعتراف بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، فإنوحدة تقرير المصيرتتألف من تلك المساحة من الأراضي. لذلك تؤول السيادة للشعب الفلسطيني لكي يمارسها عندما يحقق استقلاله. في مثال الصحراء الغربية، قال القاضي مكنير في رأيه المنفصل: “السيادة على أراضي الانتداب تكون معلقة؛ وعندما يحصل سكّان الأراضي على الاعتراف كدولة مستقلةستتجدّد السيادة وتؤول إلى الدولة الجديدة“2.

فيما يتعلّق بالقدس، لم يحصل اعتراف قانوني باحتلال إسرائيل للقدس الغربية في عام 1948. السبب هو أن ذلك سيكون غير متوافق مع مفهوم القدس باعتبارها (corpus separatum). لذلك، لا يوجد حالياً دول لها سفارات في القدس3. يوجد لبعض الدول قنصليات في القدس، مع أنها ترتكز على الوضع الدولي للمدينة، ولم يتم طلب الإذن من إسرائيل لإقامتها. تعتبر معظم الدول، بما في ذلك المملكة المتحدة، أن إسرائيل تُمارس فقط سلطة واقعية على القدس الغربية. مع أن اتفاق الهدنة العام بين الأردن وإسرائيل لعام 1949 صادق على التقسيم الواقعي للمدينة، إلاّ أنه لم يؤثّر على الوضع القانوني للقدس. نصّت المادة الثانية بوضوح على أن لا يمنح الاتفاق أية ميزة سياسية أو عسكرية وأن لا يُجحف بحقوق ومطالبات أو مواقف أي طرف، وأن ما يُمليه هو الاعتبارات العسكرية فقط.

فيما يتعلّق بالقدس الشرقية قبل حرب حزيران عام 1967، تم الاعتراف بذلك الجزء من المدينة على أنه تحت الإدارة الواقعية للأردن. لم يمنح احتلال إسرائيل للقدس الشرقية في حرب حزيران 1967 أية حقوق ملكية. السبب هو أن :

 1  القاعدة المؤسسة جيداً في القانون الدولي تنص على أن الاحتلال لا يستطيع منح حقوق للملكية4، 

2 ولمبدأ عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة ووجوب انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في حرب حزيران 1967 كما ورد في قرار مجلس الأمن رقم 242. بناءاً عليه، تبقى السيادة على القدس الشرقية معلّقة كما هو الأمر بالنسبة لبقية فلسطين.

المسألة التالية التي يجب دراستها هي هل للقدس وضع يختلف عن وضع بقية الأراضي المحتلة وإسرائيل. مع أن خطة الأمم المتحدة للتقسيم اقترحت بأن يكون للقدس وضع (corpus separatum) في ظل نظام خاص تُديره الأمم المتحدة، لكن لم يتم أبداً تطبيق هذا النظام. من الواضح من تاريخ الجهود التي بذلتها الأمم المتحدة لتدويل المدينة بعد رفض خطة التقسيم أن مفهوم (corpus separatum) في ظل نظام دولي للمدينة لم يمت. (يجب أن نلاحظ أيضاً أنه قبل احتلال الأردن للقدس الشرقية في عام 1950، قَبِل العرب أيضاً مبدأ تطبيق نظام دولي على القدس). ومع أن المقترحات للقدس في خطة الأمم المتحدة للتقسيم كانت مجرّد توصيات، وهي بذلك ليست ملزمة قانونياً، يبدو بأن هناك اتفاقاً واسعاً بوجوب مواصلة اعتبار القدس (corpus separatum) – أي أراضي تتميّز قانونياً عن إسرائيل وبقية الأراضي المحتلة، مع أن الطبيعة الدقيقة للنظام الدولي الذي سيطبق على المدينة لم يتم الاتفاق عليها. لهذا السبب، لم تعترف الدول بادّعاء إسرائيل السيادة على القدس الغربية ولم تفتح سفارات لها في المدينة. تتحدّث قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن التي تلت قرار الجمعية العامة رقم 181 بشيء من الغموض عنوضع القدسمن دون تعريف دقيق لماهية ذلك الوضع. في معظم الحالات يتم استخدام العبارة في سياق شجب الأعمال الإسرائيلية التي تعمل على فرض السيادة الإسرائيلية على المدينة. الهدف هو ضمان أن حالة الوضع الراهن مهما كانت لا تتغيّر. مع ذلك، يجب تفسير العبارة في السياق التاريخي، وبشكل خاص جهود الأمم المتحدة لتأسيس نظام دولي للمدينة والقبول الواسع لمفهوم (corpus separatum).

لقد رفض المجتمع الدولي رفضاً باتّاً ادّعاءات السيادة الإسرائيلية على المدينة (بقسميها الشرقي والغربي). ولم يقبل أيضاً بأن هناك الآن سيادة لأية دولة على المدينة.

السيادة على القدس حالياً مُعلّقة. يبدو كذلك أن هناك إجماع بأن للقدس وضع منفصل عن إسرائيل وبقية الأراضي المحتلة. فشل الجهود التي بذلتها الأمم المتحدة للتوسّط بشأن حل خاص بالقدس، القبول الواسع لمفهوم (corpus separatum)، والإشارة في القرارات المتعاقبة للأمم المتحدة إلىوضع القدسوإلىالأراضي الفلسطينية والعربية التي احتلتها إسرائيل منذ عام 19867، بما فيها القدستشهد على ذلك. لم يتم تقرير الطبيعة الدقيقة لذلك الوضع. النظام الدولي الذي سيطبق على القدس مسألة يجب حلّها في سياق مشروع السلام النهائي كما اتفق عليه بين الجانبين في إعلان المبادئ وفي الاتفاقية المرحلية. سواء كان هذا النظام على شكل مدينة مُقسّمة وكل طرف يتمتّع بالسيادة على القسم الخاص به، أو سيادة مشتركة، أو مجموعة أنظمة دولية كما ورد في خطة التقسيم الأصلية، أو حل آخر فإن كل ذلك يخضع للتفاوض.

الموقف الفلسطيني وموقفنا من السيادة على المدينة:

الموقف الفلسطيني هو أن تكون القدس عاصمة دولة فلسطين. نصّ إعلان المبادئ الذي تبنّاه المجلس الوطني الفلسطيني في عام 1988 علىإقامة دولة فلسطين على أرض فلسطين وأن تكون عاصمتها في القدس“. وفقاً لوجهة النظر الفلسطينية، تضمّن هذا الإعلان تأكيد السيادة على المدينة. وقد حظي الموقف الفلسطيني بدعم كبير من الدول العربية ودول عدم الانحياز.

لقد أكّد المؤتمر السادس لرؤساء دول وحكومات عدم الانحياز على عدد من المبادئ الأساسية من أجل التوصّل إلى حل شامل للصراع العربي – الإسرائيلي، بما في ذلك أنمدينة القدس هي جزء لا يتجزّأ من فلسطين المحتلة. حيث يجب الانسحاب منها كلّها وإعادتها دون قيد أو شرط إلى السيادة العربية“. أكّدتجلسة فلسطين والقدس الشريفلمؤتمر القمّة الإسلامي التي عُقدت في مكّة في كانون ثاني 1981 علىإصرار الشعب الفلسطيني على الحفاظ على حقّه الخالد في المدينة المقدّسة باعتبارها عاصمة وطنه فلسطين، وكذلك إصرار الحكومات والشعوب الإسلامية على حقّها الخالد في مدينة القدس المقدّسة في ضوء الأهمية السياسية، والدينية، والثقافية والتاريخية الدائمة للقدس لدى كافة المسلمين، وأكّدت علىالتزام الدول الإسلامية بتحرير القدس لتصبح عاصمة الدولة الفلسطينية المستقلة، ورفض أي وضع يمكن أن ينتهك الحق العربي بالسيادة الكاملة على القدس“. وفي الإعلان الذي تم تبنّيه بمدينة فاس بالمغرب في أيلول 1982، دعا رؤساء الدول والحكومات العربية أيضاً إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة تكون عاصمتها القدس.

مطالبة الفلسطينيين بأن تكون القدس عاصمة دولة فلسطين لا تعني بالضرورة وجوب أن تكون لفلسطين السيادة على كامل المدينة. من الممكن قانونياً تطبيق الحلول التي تمّت مناقشتها لحل قضية القدس، مثل اقتراح التدويل في القرار 181، السيادة المشتركة، أو مدينة مُقسّمة يكون لكل دولة سيادة على القسم الخاص بها بحيث تكون القدس عاصمة للدولة الفلسطينية. هناك أسبقية لدولة اتخذت عاصمة لها مدينة ليست لها سيادة عليها. قبل توحيد ألمانيا، كانت مدينة برلين في ظل الإدارة الرباعية للاتحاد السوفيتي، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة وفرنسا. عندما انسحب الاتحاد السوفييتي من هذه الإدارة، تأسّست جمهورية ألمانيا الديمقراطية بحيث يكون القسم الشرقي من برلين عاصمتها. لم يعترف الحلفاء الغربيون الثلاثة بجمهورية ألمانيا الديمقراطية واعتبروا أن المدينة باقية تحت الإدارة الرباعية. استمرّوا كذلك في اعتبار أن المدينة تحتفظ بذلك الوضع حتى بعد اعترافهم بجمهورية ألمانيا الديمقراطية وتأسيس علاقات دبلوماسية معها وإقامة سفارات لهم في برلين الشرقية.

الأساس لأية مطالبة فلسطينية بالسيادة على القدس هو أن القدس كانت في ظل العثمانيين جزءاً لا يتجزّأ من أراضي فلسطين. قبل الانتداب وأثناؤه، كانت القدس العاصمة الإدارية لفلسطين. إلى أن غيّرت الهجرة اليهودية التركيبة الديمغرافية للمدينة، شكّل العرب الغالبية العظمى من السكّان في المدينة. مع أن السيادة على فلسطين لم تنتقل إلى سلطة الانتداب، لم يقضِ الانتداب على السيادة التي بقيت معلّقة. تؤول السيادة إلى الشعب الفلسطيني وسيتم إحياؤها عندما تحصل فلسطين على اعتراف بها كدولة مستقلة5. بناءاً عليه، يحق لدولة فلسطين الحصول على السيادة على أراضي فلسطين الانتدابية، بما فيها القدس، والتي لا تقع تحت سيادة أي دولة أخرى (إسرائيل).

يجب التمييز بين ادّعاء السيادة ومسألة من له السيادة حالياً على المدينة. السيادة على القدس حالياً معلّقة. مع ذلك، من الواضح في الفقرة السابقة أن للادّعاء الفلسطيني مغزىً قانوني. بناءاً عليه، للجانب الفلسطيني الحق في أن تكون له مشاركة كاملة في المفاوضات التي ستقرّر مستقبل المدينة. حقيقة أنه كان لدى الجانب الفلسطيني في الماضي وربما في المستقبل الاستعداد لقبول حل لمستقبل المدينة لا يشمل السيادة الكاملة مثل التدويل، السيادة المشتركة أو مدينة مُقسّمة لا يعني أن هناك إضعاف للمطالبة الفلسطينية بالسيادة.

الادّعاء الإسرائيلي بالسيادة:

ليست هناك أهمية للادّعاءات الدينية والتاريخية لليهودية المتعلقة بالقدس عند البحث في مسألة حقوق ملكية القدس اليوم. تدّعي إسرائيل أن لها حق السيادة على الأراضي التي استولت عليها بالقوة في عام 1948 لأن قرار الجمعية العامّة رقم 181 اقترح وجود دولة عربية ودولة يهودية في فلسطين، وأن المجتمع الدولي قبل بوجود حق لإسرائيل لأن الأمم المتحدة اعترفت بها وأصبحت عضواً فيها. هناك شك في شرعية هذه الحجّة حيث وضع القرار 181 تصوراً لدولة يهودية ذات أبعاد أصغر ممّا استولت عليه إسرائيل في عام 1948، كما أن اعتراف الأمم المتحدة والعضوية فيها لا يتضمّن بالضرورة اعتراف بالسيادة على أراضي تكون موضع نزاع. على أي حال لا يمكن أن تنطبق هذه الحجج على السيادة على القدس بما أن القرار 181 لم يضع تصوراً بأن تُشكّل القدس جزءاً من الدولة اليهودية المقترحة، ولم يتم الاعتراف بادّعاء إسرائيل السيادة على القدس. كما تم وضع حجّة بديلة هي أنه يحق لإسرائيل أن تكون لها سيادة على الأراضي التي احتلت في عامي 1948 و1967 بما أنها تقول أنها تصرّفتدفاعاً عن النفس، وأن هذه الأراضي لم تكن تحت سيادة أية قوة أخرى. لكن أحد المبادئ الأساسية المعروفة في القانون الدولي هي أن ممارسة الدفاع عن النفس لا يمكن أن تُشكّل في حد ذاتها أساساً للحصول على حق الملكية6، كما أن عدم وجود هذه الأراضي تحت سيادة أية قوة أخرى معنية لا يُشكّل أساساً للحصول على حق الملكية. ستكون إسرائيل قادرة على الحصول على حق الملكية فقط إذا كانت هذه الأراضي بلا مالك (وهي ليست كذلك)، أو أن تكون إسرائيل قادرة على إظهار أن ادعاءها أقوى من ادّعاء أي دولة أخرى في المنطقة. فيما يتعلّق بمسألة القدس الشرقية، يعتري ادّعاء حق الملكية الإسرائيلي المزيد من عدم الصحّة لأن الاحتلال المحارب لا يستطيع منح حقوق بالملكية وان مبدأ عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة ينطبق على الأراضي المحتلة بما فيها القدس.

من الواضح من خلال التدقيق في حيثيات الادعاء الفلسطيني والادّعاء الإسرائيلي أن الادّعاء الفلسطيني هو الأصح والأسلم.

هل أثّرت الاتفاقية المرحلية على الوضع القانوني للقدس؟

 لا. المادة 31 (5) من الاتفاقية المرحلية توضح أن القدس هي إحدى قضايا الوضع الدائم. كما تنص المادة 31 (6): “لا شيء في هذا الاتفاق سيجحف أو يستبق نتيجة المفاوضات حول الوضع الدائم التي سيتم إجراؤهاسوف لن يُعتبر أي من الطرفين بدخوله في هذا الاتفاق أنه شجب أو تخلّى عن أي من حقوقه أو مطالباته أو مواقفه“. تكاد القدس لا تُذكر في الاتفاقية المرحلية، لكن إذا حصل وأن جادل الإسرائيليون بأن بعض بنود الاتفاق دعمت بطريقة ما موقفهم بشأن القدس، بإمكان الجانب الفلسطيني الإشارة إلى المادة 31 (6) والقول بأن موقفه القانوني بشأن القدس لم يتأثّر أبداً.

حقائق اساسية:

  • يعتمد أكثر من 35 بالمائة من اقتصادنا الفلسطيني على مدينة القدس الشرقية التي تمتد من رام الله إلى بيت لحم.
  • لا يعترف المجتمع الدولي، بما فيه الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي بسيادة إسرائيل المزعومة على القدس الشرقية.
  • نظرًا للقيود العنصرية الإسرائيلية المفروضة على استخدام الأراضي، تسمح إسرائيل للفلسطينيين أن يبنوا ويعيشوا على 13 بالمائة فقط من مساحة القدس الشرقية المحتلة. وأمّا أبناء شعبنا الذين لا يمتلكون خيارات أخرى فيضطرون للبناء إمّا دون الحصول على ترخيص أو أثناء فترة انتظارهم صدور التصريح التي قد تمتد لسنوات عديدة، وهذا يعرضهم للإخلاء القسري أو لهدم بيوتهم من طرف سلطات الاحتلال الإسرائيلي. ومنذ عام 1967 هدمت السلطات العسكرية الإسرائيلية أكثر من 3,700 منزلا في مدينة القدس الشرقية المحتلة.
  • يشكل الفلسطينيون المقدسيون أكثر من 40 بالمائة من سكان مدينة القدس ومع ذلك تخصص بلدية الاحتلال في القدس ما نسبته 10 بالمائة فقط من موازنة المدينة لتوفير الخدمات لهم.
  • يعيش ما يقارب 78 بالمائة من الفلسطينيين المقدسيين تحت خط الفقر، وعلى الأقل يعيش 200،000 فلسطينيًا في المدينة دون شبكات مياه مناسبة ودون أي ربط قانوني بها. 

 القانون الدولي:

  • يؤكد قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 (1967) “عدم جواز الإستيلاء على الأراضي بالحرب” ويدعو إلى “إنسحاب القوات المسلحة الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها في النزاع الأخير”.
  • ينص قرار مجلس الأمن الدولي رقم 252 (1968) على أن مجلس الأمن “يعتبر كافة … الخطوات التي اتخذتها إسرائيل … والتي تهدف إلى تغيير المكانة القانونية للقدس باطلة ولا يمكنها أن تغير تلك المكانة”.
  • ينص قرار مجلس الأمن الدولي رقم 476 (1980) على أن مجلس الأمن “يعيد التأكيد على أن كافة … الخطوات التي اتخذتها إسرائيل، بصفتها قوة احتلال، والتي تهدف إلى تغيير هوية ومكانة … القدس لا تتمتع بأي صلاحية قانونية … وتشكل عقبة جادة أمام تحقيق سلام شامل وعادل ودائم في الشرق الأوسط”.

___________________

موقفنا: امتثالاً للقانون الدولي وكما ينص إعلان المبادئ، تخضع القدس برمتها (وليس فقط القدس الشرقية) إلى مفاوضات الوضع الدائم. وأما فيما يخص القدس الشرقية، كونها جزءاً لا يتجزأ من الأرض التي احتلتها إسرائيل عام 1967، فإن إسرائيل لا تمتلك الحق في أي جزء منها.وبما أن مدينة القدس هي المركز السياسي والاقتصادي والروحي للشعب الفلسطيني والأمة العربية، لا يمكن إقامة دولة فلسطينية دون القدس الشرقية، خاصة البلدة القديمة والمناطق المحيطة بها، عاصمة لها. وإننا ملتزمون باحترام حرية العبادة في الأماكن المقدسة الواقعة في القدس الشرقية ومنح جميع الناس حق الوصول إليها. وسوف تؤخذ كافة التدابير الممكنة لحماية تلك الأماكن والحفاظ على هيبتها وكرامتها.

إلى جانب التأكيد على سيادتنا على القدس الشرقية، سوف نأخذ بعين الاعتبار بعض الحلول التي لا تضر بمصالحنا والتي تتفق مع القانون الدولي. مثلاً، يمكن أن تصبح القدس مدينة مفتوحة للفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء ويمكن اعتبارها عاصمة لدولتين. ولا يمكن إيجاد حل دائم للصراع الفلسطينيالإسرائيلي، دون التوصل إلى حل بشأن مدينة القدس يضمن حقوقنا في المدينة.